سورة التوبة - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


{لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ (48)}
قوله تعالى: {لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ} أي لقد طلبوا الإفساد والخبال من قبل أن يظهر أمرهم، وينزل الوحي بما أسروه وبما سيفعلونه.
وقال ابن جريج: أراد اثني عشر رجلا من المنافقين، وقفوا على ثنية الوداع ليلة العقبة ليفتكوا بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. {وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ} أي صرفوها وأجالوا الرأي في إبطال ما جئت به {حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ} أي دينه {وَهُمْ كارِهُونَ}.


{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (49) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)}
قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي} من أذن يأذن. وإذا أمرت زدت همزة مكسورة وبعدها همزة هي فاء الفعل، ولا يجتمع همزتان فأبدلت من الثانية ياء لكسرة ما قبلها فقلت ائذن. فإذا وصلت زالت العلة في الجمع بين همزتين، ثم همزت فقلت: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي} وروى ورش عن نافع {ومنهم من يقول اوذن لي} خفف الهمزة. قال النحاس: يقال ائذن لفلان ثم ائذن له هجاء الأولى والثانية واحد بألف وياء قبل الذال في الخط. فإن قلت: ائذن لفلان وأذن لغيره كان الثاني بغير ياء وكذا الفاء. والفرق بين ثم والواو أن ثم يوقف عليها وتنفصل والواو والفاء لا يوقف عليهما ولا ينفصلان. قال محمد بن إسحاق: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للجد بن قيس أخي بني سلمة لما أراد الخروج إلى تبوك: «يا جد، هل لك في جلاد بني الأصفر تتخذ منهم سراري ووصفاء» فقال الجد: قد عرف قومي أني مغرم بالنساء، وإني أخشى إن رأيت بني الأصفر ألا أصبر عنهن فلا تفتني وأذن لي في القعود وأعينك بمالي فأعرض عنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: «قد أذنت لك» فنزلت هذه الآية. أي لا تفتني بصباحة وجوههم، ولم يكن به علة إلا النفاق. قال المهدوي: والأصفر رجل من الحبشة كانت له بنات لم يكن في وقتهن أجمل منهن وكان ببلاد الروم.
وقيل: سموا بذلك لان الحبشة غلبت على الروم، وولدت لهم بنات فأخذن من بياض الروم وسواد الحبشة، فكن صفرا لعسا. قال ابن عطية: في قول ابن ابن إسحاق فتور. وأسند الطبري أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «اغزوا تغنموا بنات الأصفر» فقال له الجد: ائذن لنا ولا تفتنا بالنساء. وهذا منزع غير الأول، وهو أشبه بالنفاق والمحادة. ولما نزلت قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبني سلمة- وكان الجد بن قيس منهم: «من سيدكم يا بني سلمة»؟ قالوا: جد بن قيس، غير أنه بخيل جبان. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وأى داء أدوى من البخل بل سيدكم الفتى الأبيض بشر بن البراء بن معرور». فقال حسان بن ثابت الأنصاري فيه:
وسود بشر بن البراء لجوده *** وحق لبشر بن البرا أن يسودا
إذا ما أتاه الوفد أذهب ماله *** وقال خذوه إنني عائد غدا
{أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} أي في الإثم والمعصية وقعوا. وهي النفاق والتخلف عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. {وإن جهنم لمحيطة بالكافرين} أي مسيرهم إلى النار، فهي تحدق بهم. قوله تعالى: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} شرط ومجازاة، وكذا {وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا} عطف عليه. والحسنة: الغنيمة والظفر. والمصيبة الانهزام. ومعنى قولهم: {أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ} أي احتطنا لأنفسنا، وأخذنا بالحزم فلم نخرج إلى القتال. {وَيَتَوَلَّوْا} أي عن الايمان. {وَهُمْ فَرِحُونَ} أي معجبون بذلك.


{قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)}
قوله تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا} قيل: في اللوح المحفوظ.
وقيل: ما أخبرنا به في كتابه من أنا إما أن نظفر فيكون الظفر حسنى لنا، وإما أن نقتل فتكون الشهادة أعظم حسنى لنا. والمعنى كل شيء بقضاء وقدر. وقد تقدم في الأعراف أن العلم والقدر والكتاب سواء. {هُوَ مَوْلانا} أي ناصرنا. والتوكل تفويض الامر إليه. وقراءة الجمهور {يُصِيبَنا} نصب بلن. وحكى أبو عبيدة أن من العرب من يجزم بها. وقرأ طلحة بن مصرف {هل يصيبنا} وحكي عن أعين قاضي الري أنه قرأ {قُلْ لَنْ يُصِيبَنا} بنون مشددة. وهذا لحن، لا يؤكد بالنون ما كان خبرا، ولو كان هذا في قراءة طلحة لجاز. قال الله تعالى: {هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ} [الحج: 15].

11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18